قد انفصلنا عن وطنهم ( أهل زَمُّورة) مع الدّعاء لهم وقد ودِدْتُ واللهِ أن يكونوا على أحسن طريق وأكمله مع زوال الخصال المناقضة للشّريعة المحمّديّة. وسلكنا طريق أبي خميس فوجدنا أكثرَ الأحباب منتظرين من وطننا ووطن بني يَعْلَى إذ فرِحوا بقُدومنا وسُرُّوا برجوعنا، العامّة والخاصّة،أحياهم الله على السُّنّة وأماتهم على الْمِلّة المحمّديّة، فاستفرغتُ الوسع في الدّعاء لهم والسّؤال عن كمّيّة أخبارهم، لا سيّما إصلاح ذات بينِهم، كان الله لنا ولهم في المُقام والرّحيل ووفَّقَنا وإيّاهم إلى صالح الأعمال وحُسن النّيّة بالتّمام والكمال؛ فامتلأ الوَعْرُ والسَّهْلُ والغَيْضَةُ وغيرُها بالنّاس الّذين رغبوا في رؤيتنا واغتنام البركة منّا من كلّ فجّ عميق، لتشهدَ أحوالَنا وتقتبسَ أنوارَ أصحابِنا إذ الحاجُّ مجابُ الدّعوةِ أربعين يوما بعد وصوله إلى داره فضلا عن ملاقاته في الطّريق بِرَوْح وريحان لِمَنْ جاء بالصِّدق والتّصديق بالوعد الحقّ، رحم الله الجميع بِمَنِّه وكرمه وعصمنا وإيّاهم من عذاب النّار وهول القبر والحشر والنّشر والميزان والصّراط إلى الجنّة، يا أرحم الرّاحمين يا ربّ العالمين!
هذا وإنّي مررتُ على موضع الأولياء والصّلحاء ومعدن الخير والبركات ومستقَرّ القطب الواضح سيّدي الْجُودِيّ الْعُلْمِيِّ وأولادِه وكذا محلّ أولاد سيّدي مالكٍ وأولاد الشّيخ البركة سيّدي محمَّدِ بْنِ قَرِّي أفاض الله علينا من بركاتهم وجعلنا في زُمرتهم وزُمرة أوليائه بِمَنِّه وكرمه!
فلمّا بلغتُ ضريح الوليّ الصّالح والكوكب الواضح سيّدي محمّدِ بنِ يحيى، عزَم عليَّ أهلُ مَدْشَرِ قَنْزَاتَ بِرمّتهم عزما بَتْلاً قَطْعاً، فاجتمع من وطن بَنِي يَعْلَى وبَنِي وَرْثِيلاَنَ ما يكاد أن يكون سُوقاً كبيرا، فذهب الْكُلُّ إلى الْمَدْشَرِ المذكور فبِتْنا فيه وقد ذبحوا ما يكاد أن يخالف العادة، عَمَّرَهُم الله إلى يوم القيامة وعَمَّرَ سُوقَهُم على لسان الشّريعة المُحَمَّدِيّة، رضي الله عنهم وأرضاهم، وهي ضيافة عظيمة إذ فيها المِئُونَ من الخَلْقِ.
وقد لَقِيَنَا الْمُحِبُّ في الله والأخُ مِنْ أَجْلِهِ الْعَلاّمةُ الفاضل والمُحَقِّقُ الكامل والمدرِّسُ الفقيهُ الصّالِحُ سيِّدي الْحَسَنُ نَجْلُ الشَّيْخِ سيِّدِي أحمدَ زَرّوقِ بْنِ مِصْباحٍ إذ أراد أن يُضَيِّفَ الْكُلَّ فأهل المدشر المذكور قاموا بالكُلِّ كَثَّرَ اللهُ خيرَهم وجعل البركة حاضرةً لديهم آمين!
فلمّا أصبح الله بخير الصّباح، صنع أهل مدشر "آغْدَا انْ صَلاَحْ" طَعاماً فزاد الخلقُ بحيث لا يكفيهم إلاّ الخالقُ، غير أنّهم، لمّا أخرجوا الطّعام، جعل الله فيه البركة العظيمة. أظنّه ولو اجتمع عليه النّاس كلّهم لفضل عنهم.
وإنّ الوليّ الفاضل والصّالح الكامل الفقيه الأجلّ سيّدي عبدَ الرّحمن بنَ قَرِّي، لمّا رأى الخلق والطّعام خجل من كثرة الخلق وقلّة الطّعام فقلتُ له: "لا تخف فإنّ الطّعام صُنِعَ لله تعالى وفرحا بوفود زوّاره واغتنام بركة المجتمعين!" فحضرت بركةُ من اجتمع حتّى بقي الطّعام وتعجّب من حضر. وهو ليس من بركتنا وإنّما ذلك من بركة المجتمعين الحاضرين وبركة صانعيه فلا تعلم نفس ما يكون من الخير في هؤلاء الجموع الآتين بِنِيّة صالحة وهمّة عالية وقلب سليم من كلّ إثم، وكذا بركة من رجع من عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن بيته الشّريف.
فمررنا على دار الوليّ الصّالح المحقِّق الورع المدقِّق سيّدي بركات وزرنا الصّالحة الطّيّبة الحرّة الفاضلة صِهْرتي زوج سيّدي بركات نفعنا الله به آمين وأفاض علينا من بركاته.
وكذا مررتُ بدار الأخ المذكور سيّدي الحسن ودخلت بيته اغتناما بغبرة الرّاجع من بيت الله وحضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جعل الله البركة فيه وفي ذرّيّته إلى قيام السّاعة بمنّه وكرمه.
ثمّ انفصلنا من جبل بني يَعْلَى على خير وحسن اعتقاد ورغبة في الحبّ في الله والشّوق من أجله فكيف لا يفلح الجميع؟! جعلنا الله من أوليائه الّذين "لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونْ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونْ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ" الآية.
وسرنا إلى أن وصلنا الوادي فلقِيَنا أهلُ إِلْمَايِنَ قاطبة مكّنهم الله من الخيرات وهداهم إلى سبيل النّجاة ووفّق كلمتهم إلى طريق السُّنّة المحمّديّة، ففرحوا وسُرُّوا وأظهروا ذلك بضرب البارود حسبما فعل أهل زمُّورَةَ وبُنو يَعْلَى فسألنا اللهَ لهم ولنا العافية التّامّة والمغفرة العامّة الشّاملة ثمّ انفصلنا عنهم فلَقِيَنَا جميعُ مَن كان بعرشنا من بني أحمد أَجْمَعَ وأمّا بنُو عَشَّاش فقد لَقِيَنا جَمْعٌ منهم إلى بَنِي يَعْلَى والكلُّ فرحون مسرورون.
وبالجملة فالجموع من وطننا، رجالا ونساء، هذا يتّصل بنا وهذا ينفصل عنّا إلى أن وصلنا إلى مُقامنا ودارنا ليلةَ الجمعة وليلة العيد ويوم عرفة عام 1181، أحد وثمانين ومائة وألف (27 أبريل 1768م).
المصدر :منتدى عين لقراج للعلم و المعرفة: http://algradj04.amuntada.com/t4020-topic#ixzz2XEZTnzeO
Mes vives remerciements. a Nedjma Sid-Ahmed.